08:10 ص - الأحد 26 / مارس / 2023

  تردد القناة 10873 V

كتب أ.محمد البيوك "الجهاد الإسلامي .. مُبادرات مَيدانية قَبل الإنقسام"

كتب أ.محمد البيوك "الجهاد الإسلامي .. مُبادرات مَيدانية قَبل الإنقسام"

بقلم الباحث : أ.محمد أسعد البيوك

يُعتبر موقف حركة الجهاد الإسلامي من موضوع المصالحة الفلسطينية واضحاً وصريحاً، وقد تُرجم هذا الموقف منذ اللحظة الأولى لحدوث الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، نظرياً وعملياً على أرض الواقع، ذلك من خلال جولات الحركة المكوكية والمستمرة والمتواصلة ميدانياً بشكل منفرد أو بجهد جماعي بمشاركة الفصائل الفلسطينية الأخرى التي لم تكن شريكاً في هذا الانقسام مع طرفي الانقسام ، إضافة إلى اتصالاتها مع الأطراف العربية والإقليمية، وخاصة جمهورية مصر العربية وبدأ الحراك واضحاً وملموساً، من خلال ما قامت به الحركة وقدمته على الصعيد الداخلي والخارجي، والسياسي والميداني، ولقد انعكس هذا الدور والتدخل بشكل إيجابي على كثير من القضايا التي استطاعت الحركة أن تُنهيها وتُنجزها في أعقد وأحلك الظروف، بحكم علاقاتها المتميزة مع الجميع هذه العلاقة التي أعطتها مساحة كبيرة للتحرك بشكل مرن ومقبول داخلياً مع الكل الفلسطيني، وخارجياً مع الأطراف العربية والإقليمية، وتحديداً مع جهاز المخابرات العامة المصرية الذي يرعى الملف الفلسطيني والمسؤول عن إدارته ومتابعته تاريخياً.

استطاعت حركة الجهاد إلى حد كبير أن تُحافظ على هذا الدور في تعاطيها مع ملف الانقسام الشائك والصعب والمُعقد، وذلك عَبر سنوات طويلة لم تَكل ولم تَمل من القيام بدورها الوطني في ذلك رغم الخطورة الشديدة التي كان يتعرض لها قياداتها أثناء فض الأحداث والتي كادت ان تودي بحياتهم في ، ولعل الكثير من الإشكالات الميدانية والأزمات التي سبقت الانقسام وقعت خلالها اشتباكات دامية، ومؤسفة، ورغم تدحرج هذه الأحداث ككرة اللهب إلا أن الحركة استمرت في قيامها بدورها الوحدوي ورغم خلافها الواضح في كثير من القضايا مع طرفي الانقسام، لم يمنعها ذلك ايضاً أن تكون وسيطاً نزيهاً، وتمارس دوراً وطنياً يشهد لها الجميع به ، ولقد كانت الحركة شاهدة ومُباركة على الدوام لكل الجهود التي بُذلت من كافة الأطراف ، المحلية والعربية والإقليمية والدولية التي سعت لرأب الصدع بين طرفي الانقسام، رغم تحفظها واختلافها على ما جاء في بعض الاتفاقات والبنود التي خالفت قناعاتها وتوجهاتها وأفكارها، ولم تجعل ذلك سبباً في وقف أو تعطيل أي جهد من الممكن أن يوصل الفلسطينيين لطي صفحة الانقسام السوداء، وإتمام المصالحة بين حركتي فتح وحماس .

لقد كانت المشاركة الأولى لحركة الجهاد الإسلامي لحل الاشكالات الميدانية مبكرة بين حركتي فتح وحماس في عام( 2006) حين وقعت اشتباكات عنيفة ودامية بين أنصار حركتي حماس وفتح، وبدأت المحلات في الإغلاق، وأخذت الاشتباكات تتسع بشكل سريع، ذهب وفد من الحركة إلى مكتب حركة حماس في حي النصر، كما تم التواصل مع حركة فتح ، واستمر الحوار حتى منتصف الليل لتهدئة الأوضاع الميدانية، وفض الاشتباك بين الطرفين، وحاولت الحركة خلال اتصالاتها أن تمنع تكرار هذه الأحداث وقد تم التوصل يومها إلى اتفاق، وصدر بيان للفصائل الفلسطينية تلاه القيادي في الحركة/ داوود شهاب في مقر وكالة رامتان، والذي طمأن فيه المواطنين، ودعاهم إلى العودة لأعمالهم، وإنهاء كافة المظاهر المسلحة في الشوارع ووقف نزيف الدم .

ولكن في اليوم التالي تجددت الاشتباكات في أكثر من محور في مدينة غزة وازدادت الامور صعوبة وتعقيد وبدأت عمليات الخطف والاعتقال بين الطرفين، فجددت الحركة اتصالاتها بحركتي فتح وحماس بشكل سريع ، ونجحت في وقف إطلاق النار وفض الإشتباكات، رغم تدحرج كرة اللهب بشكل سريع واتساع رقعة الاشتباكات في الزيتون ، الشجاعية ، جباليا ، خانيونس إلا أن الجهود لم تتوقف.

لقد كرست الجهاد الإسلامي جهداً كبيراً وواصلت تحركاتها المكوكية لمنع وقوع الإشتباكات وعمليات الخطف والقتل الذي اعتبرته تجرؤ على الدم الفلسطيني وذلك حتى اليوم الأخير قبل الانقسام , كانت تسعى لمنعه بكل جهد وفي بيان واضح وقوي لها رقم 29/7 في اليوم الذي سبق الانقسام بتاريخ 12/6/2007 أعلنت الحركة فيه أن القضية الفلسطينية تمر بأسوأ مراحل تاريخها، بسبب الاقتتال المؤسف في شوارع غزة بين حركتي فتح وحماس، وذكرت في بيانها أن المتقاتلين في شوارع غزة قفزوا على كل الثوابت والقيم التي تخدم المشروع الوطني الفلسطيني .

وختمت الحركة بيانها بدعوة الأطراف إلى العودة إلى طاولة الحوار والتفاهم لكسر هذه الدائرة الجهنمية من الصراع الداخلي ولكن حدث ما كان يخاف منه الجميع الانقسام الاسود وكان يوم (13/6/2007) اليوم الفاصل والذي أدى إلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، منذ ذلك التاريخ بدأ يترسخ الانفصال الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأ يتراجع حضور القضية الفلسطينية في المحافل العربية والدولية وبدأت حالة احباط وطني وازمة في المشروع الفلسطيني وهذا ما حذرت منه الجهاد الإسلامي على الدوام لذلك كانت حريصة جداً على ألا تتدحرج الأمور، وتصل إلى ما وصلت اليه .

رغم كل ما حدث إلا ان حركة الجهاد الاسلامي لم تتوقف عن بذل جهودها في مختلف الساحات لإنهاء الانقسام الفلسطيني وفي المقال القادم بإذن الله سأكتب عن مبادرات الحركة الميدانية التي تلت وقوع الإنقسام في محاولة منها لرأب الصدع وانهاء هذه النكبة والمأساة .